الصوراني:النضال ضد الوجود الامبريالي يتوازى ويندمج مع هدف التغيير الديمقراطي
08 أغسطس 2018

[JUSTIFY]اعتبر عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومسئول الدائرة الثقافية الرفيق غازي الصوراني أن النضال السياسي والديمقراطي والمجتمعي والكفاحي ضد الوجود الامبريالي، هو شرط أول يتوازى ويندمج تماماً مع هدف التغيير الديمقراطي صوب تحقيق أهداف الثورة الوطنية والقومية التحررية والديمقراطية العربية في بلادنا. وأكد الصوراني خلال حوار مع الأديبة والكاتبة التقدمية العراقية فاطمة الفلاحي أن ذلك يأتي انطلاقاً من وعينا بضرورة العمل على مراكمة العوامل الموضوعية والذاتية لتحقيق هذه الرؤية الثورية الهادفة إلى تغيير مجمل العلاقات الاجتماعية القديمة وتحطيمها على طريق بلورة علاقات وقوى انتاجية وبنى فوقية تكون قادرة على اشتقاق مسار وسيرورة تاريخنا المعاصر بعيداً عن كل خيبات الأمل أو سيرورات التراجع والاضعاف . وأوضح الصوراني بأن الديمقراطية تفترض إلغاء جميع المطلقات ، وفي المقدمة منها عقود "عقد القران"، وإحلال محلها مطلق وحيد هو حرية الفكر والرأي في جميع الميادين, فهي ليست سوى تحرير الذهن من أحكام مسبقة مهما كانت, مؤكداً بأن العلمانية شرط لا مفر منه ولابد من أن يترافق معها, فصل شؤون الدين كعقيدة فردية عن شؤون الدولة, وإقامة نظام سياسي ديمقراطي تعددي ذي طابع اجتماعي... مدني بحت. وأكد الصوراني على ان الديمقراطية بدون تأمين وتطبيق مضمونها الاجتماعي لمصلحة الفقراء ، فانها تتحول الى ديمقراطية ليبرالية تستخدم جسرا لتكريس التبعية، ولا تتجاوز الحرية فيها حرية قبول قواعد الرأسمالية المعولمة وشروطها، وفي هذه الحالة ستؤدي هذه الديمقراطية الليبرالية الى مأزق اجتماعي حاد تخطى "عقد القران" المؤقت بينها وبين النظام الرأسمالي . وشدد على أن كل ديمقراطية كشكل من أشكال التنظيم السياسي للمجتمع تخدم الانتاج في النهاية، وتتحدد في النهاية بالعلاقات الانتاجية في مجتمع معين ، ومن ثم فمن الجوهري تقدير التطور التاريخي للديمقراطية الاجتماعية وعلى طابع الصراع الطبقي ومدى حدّته. وبيّن الصوراني إلى أن القوى الرأسمالية بجناحيها " اليميني العلماني " و" اليميني الديني او الاسلام السياسي " في كل بلدان الوطن العربي - لا تملك في الواقع مشروعاً حضاريا او ديمقراطيا وطنياً مستقلا نقيضاً للنظام الامبريالي الرأسمالي، كما أنها لا تملك أيضاً مشروعاً تنموياً ينهي التبعية ويتجاوزها صوب مبدأ الاعتماد العربي على الذات. وأقر الصوراني بأن النظام الرأسمالي الذي استطاع الخروج حتى اللحظة- من كل أزماته التي تعرض لها في التاريخ الحديث والمعاصر، ونجح في إعادة مراكمة شروط الرأسمالية من جديد عبر توفير الفرص الجديدة من خلال استغلال فائض القيمة للشعوب الفقيرة ، ومن خلال التطور العلمي الهائل، داعياً للوقوف والتأمل بوعي لنتائج المتغيرات النوعية في بنية النظام الرأسمالي العالمي خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وآثارها ليس على قوى الانتاج المادي والسلعي فحسب، بل آثارها العميقة على تحويل العلم والمعرفة والتكنولوجيا إلى قوه انتاجية هائلة، حيث لم تعد الأصول الرأسمالية التقليدية عاملاً رئيسياً وحيداً في البنية الرأسمالية في ظل بروز دور تكنولوجيا العلم والمعلومات كقوة انتاجية استطاعت أن تفرض نفسها على مجمل الأوضاع الاجتماعية والطبقات والمفاهيم في المجتمعات الرأسمالية بما يزيد من تعزيز "عقد القران" بين الديمقراطية والرأسمالية بعد أن بدأت التغيرات في بنية الطبقة العاملة، الصناعية التقليدية (البروليتاريا) لصالح أنواع جديدة من الأعمال والتخصصات لدى ذوي الياقات البيضاء من المهندسين والعاملين في قطاعات الانتاج الإلكتروني ، والمعلومات والاتصالات. وأشار الصوراني إلى أنه على الرغم من تقدم دور التكنولوجيا والاختراعات العلمية والمعرفة في تراكم وتوسع رأس المال المالي العالمي ، إلا أن الانتاج السلعي يظل أحد أهم سمات النظام الرأسمالي عموماً، وفي البلدان الفقيرة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وبلادنا العربية خصوصاً، ويظل بالتالي مصدراً رئيساً للاستلاب والاستغلال ليس على صعيد الاستغلال أو الاستيلاء على القيمة الزائدة من العامل/البروليتاري من قبل صاحب العمل فحسب، بل انتشار ظاهرة الاستيلاء على فائض القيمة للشعوب الفقيرة والاستيلاء على ثرواتها ومقدراتها كما هو حال الأوضاع الاقتصادية لهذه الشعوب في مرحلة العولمة الراهنة. وحول الوسائل الناجعة للتمرد الثوري في مقاومة الحكومات المستبدة واسقاطها، أكد الصوراني بأن الثورة هي نتاج تراكمات بطيئة ومتسارعة وصلت إلى حد القطع أو لحظة الثورة ، أو التغيير السريع بعيد الاثر في هذا الكيان الاجتماعي أو ذاك، بهدف تحطيم أسس وبنية نظام الاستبداد والاستغلال، وإعادة تنظيم وبناء النظام الاجتماعي بناءً جذرياً وفق الأسس الثورية الديمقراطية الجديدة. وأضاف بأن الثورة لا تنضج بمقدماتها فحسب، بل تكتمل بتوفير العناصر الموضوعية للوضع الثوري والعامل الذاتي ووحدتهما معاً، وهي أيضاً لا يمكن أن تندلع بالصدفة أو بحفنة من المناضلين المعزولين عن الشعب، بل بالحزب الثوري الديمقراطي المؤهل، الذي يتقدم صفوف الجماهير الشعبية الفقيرة، واعياً لمصالحها وتطلعاتها وحاملاً للإجابة على أسئلتها، ومستعداً للتضحية من أجلها ، واثقاً كل الثقة من الانتصار في مسيرته وتحقيق الاهداف التي تأسس من أجلها . وأشار إلى أنه بدون توفر الإرادة الشعبية والالتفاف الجماهيري، يصبح خوض التمرد الثوري بالعنف الشعبي والمسلح أو بوسائل الضغط الجماهير الديمقراطي لأي حزب أو فصيل نوعاً من المغامرة، لان الجماهير منفضة من حوله، خاصة وان الطليعة لا تناضل نيابة عن جماهيرها، بل بها، وفي مقدمتها، فهي من يرعى المناضلين، ويمدهم بالعون والدعم المادي والمعنوي، ويخفيهم ويحميهم عند الضرورة، كما يمدهم بالدماء الجديدة، ما يجعل انفصال الأحزاب الثورية الديمقراطية عن الجماهير الشعبية كما هو حالها في مجتمعاتنا- سمة من سمات هبوط وتفكك هذه الأحزاب وتراجعها السياسي والفكري والتنظيمي والجماهيري ، لذلك فان التأييد الجماهيري مسألة أساسية، إذ إننا على سبيل المثال- لن نستطيع تنظيم وإنجاح إضراب أو اعتصام أو مظاهرة شعبية لا يقتنع الجمهور بأهدافها أو بالأسباب الداعية لتنظيمها. واستعرض الصوراني أسباب عجز أحزاب وفصائل اليسار العربي عن إنجاز القضايا الأهم في نضالها الثوري ، منها عجزها عن بلورة وتفعيل الافكار المركزية التوحيدية لاعضاءها وكوادرها وقياداتها واقصد بذلك ، الأفكار الوطنية الديمقراطية ، الحداثية العقلانية المستنيرة ، استرشاداً بالفكر الماركسي ومنهجه الجدلي وصيرورته المتطورة المتجددة، وعجزها أيضاً عن تشخيص ووعي مكونات واقع بلدانها ( الاقتصادي السياسي الاجتماعي الثقافي) ومن ثم عجزت عن ايجاد الحلول او صياغة البديل الديمقراطي الشعبي التوحيدي الجامع لجماهير الفقراء وكل المضطهدين، وعجزها عن بناء ومراكمة عملية الوعي الثوري في صفوف اعضاءها وكوادرها وقياداتها، ليس بهوية حزبهم الفكرية، الماركسية ومنهجها المادي الجدلي فحسب، بل ايضا عجزها عن توعيتهم بتفاصيل واقعهم الطبقي (الاقتصاد، الصناعة ، الزراعة ، المياه ، البترودولار ، الفقر والبطالة والقوى العاملة، الكومبرادور وبقية الشرائح الراسمالية الرثة والطفيلية ، قضايا المرأة والشباب ، قضايا ومفاهيم الصراع الطبقي والصراع الطائفي والمذهي، وقضايا التنوير والحداثة والديمقراطية والتخلف والتبعية والتقدم والثورة....الخ) فالوعي والايمان الثوري (العاطفي والعقلاني معاً ) لدى كل رفيقة ورفيق، بالهوية الفكرية، وبضرورة تغيير الواقع المهزوم والثورة عليه ، هما القوة الدافعة لاي حزب او فصيل يساري ، وهما ايضا الشرط الوحيد صوب خروج هذه الاحزاب من ازماتها صوب تقدمها وتوسعها وانتشارها في اوساط جماهيرها على طريق نضالها وانتصارها . وفي هذا السياق ، شدد الصوراني على ضرورة انطلاق الثورة الوطنية الديمقراطية في بلادنا العربية، من منظور يساري يضمن تفعيل العلاقة الجدلية بين الثورة الوطنية الديمقراطية و الثورة الاشتراكية ، وذلك على أساس أن الثورة الوطنية الديمقراطية هي ثورة معادية ومقاومة للوجود الامبريالي الصهيوني ولكل مظاهر التبعية والتخلف، وكافة قوى اليمين الليبرالي او الاسلام السياسي ، انها ثورة تستهدف تحقيق الاستقلال الوطني والسيادة الكاملة على الارض والموارد والتوزيع العادل للثروة والدخل، وهي ايضا ثورة ضد القوى البورجوازية وكل مظاهر الاستبداد والافقار والاستغلال الرأسمالي . وأشار لأهمية أن تتولى قيادة الثورة الطبقات الشعبية الفقيرة من العمال والفلاحين الفقراء ضمن احزاب يسارية ثورية، بما يضمن تطبيق أسس ومفاهيم الحداثة والديمقراطية والتقدم، وفتح سبل التطور الصناعي والاقتصادي وفق قواعد التخطيط والتنمية المستقلة وتكافؤ الفرص وتحديد الحد الادنى للدخل الذي يضمن تأمين احتياجات اسرة العامل، وتحديد الحد الاعلى للدخل بما لا يزيد عن ثلاثة اضعاف دخل العامل المنتج، الى جانب تطوير الاوضاع الصحية والتأمينات الاجتماعية والثقافية للجماهير الشعبية وتحقيق مبادىء واليات العدالة الاجتماعية الثورية...وهنا بالضبط فان الثورة الوطنية الديمقراطية هي مرحلة انتقالية في الطريق إلى الاشتراكية. وتوقف الصوراني إلى مفهوم المثقف، مشيراً أنه الحامل لرؤية نظرية ثورية وديمقراطية تلتزم بمصالح وتطلعات الجماهير الشعبية الفقيرة ومستقبلها ، بما يمكنه من صياغة رسالته وبرنامجه في إطار الحزب المنظم من ناحية وهو أيضاً المثقف العضوي بالمعنى الجرامشي، الذي يعمل على إنجاح المشروع السياسي والمجتمعي الخاص بالكتلة التاريخية المٌشَكّلة من العمال والفلاحين الفقراء ، وهو "الداعية" "الاختصاصي" "المٌحَرِّض" "صاحب الايدولوجيا" أو حاملها، المدافع عن قضايا الحقوق والحريات، الملتزم بالدفاع عن قضية سياسية، او قيم ثقافية ومجتمعية أو كونية، بأفكاره أو بكتاباته ومواقفه تجاه الرأي العام، هذه صفته ومنهجيته، بل هذه مشروعيته ومسئوليته تجاه عملية التغيير التي يدعو إليها. أما بالنسبة لانحيازه لشمولية مفهوم المثقف، أكد أنه يقصد الشمولية التي لا تتناقض مع التعريفات التي عبّر عنها مجموعة من المفكرين في تعريفهم للمثقف، وهي تتمحور عند الموقع الطبقي بالتحديد ، فهو الغاية والقاعدة المنتجة والمحددة لكل رؤية فكرية ثقافية أو لكل ممارسة نقدية. وشدد الصوراني على أهمية استخدام مفاهيم الحداثة و التنوير والعقلانية والثورة الديمقراطية، في مجابهة أنظمة التبعية والتخلف والاستبداد وشرائحها البيروقراطية الكومبرادورية الحاكمة ، وفي مجابهة الجوانب السلبية لتراثنا، إذ لا يتولد مفهوم العقل من ماضوية أو جمود التراث بل من القطيعة المنهجية والمعرفية معه، وذلك شرط للعقل كعقلانية، فالعقل هنا، حسب هذا المفهوم، هو العقلانية التي تمثل مؤشر ورمز المجتمع الحديث وليس غير ذلك. ورأى ضرورة الجمع بين المثقف حامل الرسالة، وبين المثقف العضوي الملتزم تنظيمياً، بحكم تقاطع أو توحد الرؤيتين في نقطة التقاء هامة، وهي الوظيفة النقدية للمثقف، والوظيفة النقدية هنا تتخطى التبشير أو الرسالة إلى التغيير وتجاوز الواقع. واعتبر الصوراني بأن حالة التردي والهبوط الراهنة، وصلت إلى أكثر من حد الاعياء والمرض في المنظومات الإعلامية من أجل الترويج لمنابريه الساسة، مدفوعة الثمن ، والشاهد على ذلك ، انحسار دور المثقف الديمقراطي الثوري في مجتمعاتنا، على الرغم من الانتفاضات الشعبية العفوية ضد الاستبداد والتخلف والاستغلال ، وهو انحسار مريع ومقلق في هذه المرحلة التي على ما يبدو- تغيرت فيها مراتب القيم ، بحيث باتت الأفكار الليبرالية والقيم السياسية الهابطة والقيم الانتهازية المصلحية وقيم النفاق والقيم الاستهلاكية ، هي البضاعة الرائجة بتأثير واضح لمنظمات NGO.s التي نجحت في إغواء واغراء ومن ثم خراب وارتداد الآلاف من المثقفين واليساريين العرب عن بداياتهم الفكرية، وأحلامهم الثورية التي يبدو انها كانت مجرد احلام"البورجوازي الصغير" في لحظه من لحظات الانفعال والقلق والخوف من تردي وضعه الطبقي . وأكد الصوراني على أهمية انحياز المثقف الماركسي لمصالح وأهداف الطبقات الشعبية الفقيرة، فاما الاشتراكية او البربرية ، إذ أن هذا الانحياز الواعي للاشتراكية ، هو الأساس الأول في تحديد جوهر دور المثقف و ماهية موقفه السياسي، ورؤيته الفكرية أو الأيدلوجية وفق ما يتطابق مع تطلعات الطبقات الشعبية وأهدافها المستقبلية ، الأمر الذي يفرض كضرورة تاريخية راهنة ومستقبلية على ضرورة أن تبادر قوى وأحزاب اليسار لإعادة بناء أحزابها او بناء احزاب ماركسية ثورية جديدة ، كمدخل وحيد لاستعادة دورها وقيادتها لحركة التحرر الوطني الديمقراطي في بلدانها، من أجل تجاوز وتغيير هذا الواقع المهزوم صوب مستقبل النهوض القومي الديمقراطي، النقيض بصورة كلية- لأفكار ومصالح البورجوازية الشوفينية من ناحية، والمحمول بتطلعات وأماني الجماهير الشعبية العربية الفقيرة صوب الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية.[/JUSTIFY]