بيت ووطن - تقرير عن المقاتل الشهيد محمود عباس
08 أغسطس 2018

[JUSTIFY] في ذلك البيت المتواضع الذي أرهقته السنون و بين تلك الجدران المهترئة عاش البطل الذي تلخصت أحلامه ببيت ووطن ، كان يعمل بالنهار بأي صنعة شريفة يجدها أمامه حتى يتمكن يوما ما من استبدال تلك الغرفة الصغيرة في منزل والديه التي يتكدس فيها أبنائه الثلاثة وزوجته بشقة صغيرة يبنيها فوق شقة والديه . عندما تحتاجنا الأرض ..تغيب الشمس لينام الضعفاء ويستيقظ الثوار ، فبالليل يخرج محمود مع رفاقه من كتائب الشهيد أبو علي مصطفى سعياً وراء حلمه الآخر والأكبر فمحمود يريد وطن ولا يهمه إن كانت روحه هي الثمن . ولكن ماذا عن أبنائك يا محمود سألته أخته رهام لهم الله أبنائك و زوجتك يحتاجونك يا محمود لهم الله ولكن يا محمود .....وضع يده على فيها وطني يحتاجني يا ريهام . غاب محمود ليلة كاملة ، يا طول ليلك يا أم محمود كم مسكينة أنت كيف لجفنك الذي أرهقه السهر أن يغفو وبؤبؤ العين خارجه . لعل أم محمود كانت كهاجر في تلك الليلة التي تشابه كل ليلة ، تسعى نحو شرفة المنزل ذهابا و إيابا تنتظر وصول سيارته فوصولها يعني أن محمود مازال حي ، تحمد الله تنام قليلاً فليلتها القادمة ستكون صعبة أيضا. جاء الصباح كم هو مؤلم صباح مدينته ، فمشفى المدينة يعج بالشهداء والجرحى ..رائحة الموت موجودة في كل شارع.. دمار في أي مكان يمكن للعين أن تراه ، يستعد محمود للخروج أين أنت ذاهب يا محمود تخاطبه زوجته رشا كما تعلمين رفاقي بانتظاري سأعاونهم بتوزيع المساعدات الغذائية على المنكوبين الذين أصبحوا بلا بيت ولا مأوى. ولكنك لم تنم يا محمود وهل بالحرب نوم يا رشا 45 يوما متتاليا كان محمود ينقل بسيارته الخاصة المساعدات الغذائية إلى النازحين والمشردين، قال رفيقه وصديقه إياد " لطالما أحب محمود فعل الخير ورغم حاجته الشديدة وضنك معيشته لم يطلب محمود المساعدة من أحد ولو حتى لمرة واحدة فنفسه العفيفة منعته من ذلك". لاحت ابتسامة خفيفة على شفتي إياد مسحتها سحابة الحزن في عينيه وقال محمود كان طيباً وكريماً جداً ففي إحدى الأيام أعطيناه طرد مساعدة وبصعوبة شديدة قبله وعندما أكملنا مشوارنا بتوزيع المساعدات رأينا رفيقاً علمنا منه أنه نزح من بيته تحدثنا معه وودعناه وبعد أن ابتعدنا عنه أمتار قليلة رجع محمود بالسيارة ليعطي إلى رفيقنا طرده الذي ربما كان هو وأولاده بحاجة إليه. محمود يكره السياسة فهو لا يعرف سوى لغة السلاح ولا يؤمن بشيء آخر سوى السلاح، استذكرت رشا يوم ما أن أعلنت تهدئة لخمسة أيام وكم أنها فرحت هي وأمه بهذا الخبر "محمود كان على عكسنا تماما كان يمقت أيام التهدئة لاعتقاده بأنه لا يمكن لنا وقف النضال حتى لو لدقيقة واحدة طالما مازال الصهاينة على أرضنا "...محمود يعذرهن فهو يعلم أنهن يحببن التهدئة لأنهن يحببنه ويخفن عليه من الموت فالتهدئة تعني بالنسبة لهن مزيداً من الأمان إليه ولكن...... ولكن انتهت التهدئة سيتعرض محمود للخطر من جديد ... لا بأس فمحمود لا يحب التهدئة كيف لا وهو الذي لطالما كان على أهبة الاستعداد لنيل الشهادة .. "محمود لا يعرف الخوف " قال شقيقه رائد الذي يكبره بعام " كان محمود ينتظر ويتمنى أي اتصال هاتفي يطلب منه المشاركة في المقاومة ليكون على رأسها ، قوة قلبه ونخوته لم يكن لها مثيل ". تقول رهام وهي تنظر إلى صورة محمود المعلقة على الجدار"في صباح يوم استشهاده تحدثت معه قبل ذهابي إلى العمل عن استشهاد القادة الثلاثة برهوم والعطار وأبو شمالة وعبر لي عن حزنه الشديد لخسارة الوطن والمقاومة لأولئك القادة، وقال لي أنهم محظوظين لنيلهم الشهادة وتمنى أن يلحق بهم". أشارت أم محمود إلى أحد أركان المنزل وقالت"كان نائم هنا جلست إلى جانبه واستمررت بالنظر إليه وكأنني أشعر بأني سأفقده قريباً ". ضمت رشا ابنتها منة إلى صدرها وقالت "كان محمود دائما يوصيني على الأولاد ، كان يتوقع الشهادة بأي لحظة وتابعت.. محمود كان كالملاك لم يغضب أحد يوما وكأنه يشعر بأنه سيصبح يوما ما عبارة عن ذكرى " مساء الأربعاء في 22/8 تلقى محمود مكالمة هاتفية خرج بعدها من المنزل، ليصل بعد أقل من نصف ساعة خبر استشهاده إلى أهله عبر استهداف سيارته انهمرت رشا بالبكاء وقالت " عندما ذهبت إلى المشفى وشاهدت جثمانه صرخت أناديه بأعلى صوت ...ولكنه لم يستجب" أما أخوه رائد فيقول محمود لم يكن مجرد أخ بل كان صديقي وسندي وكنا نكمل بعضنا الآخر صمت رائد قليلا لعل الصمت يسعفه بإخفاء الجرح الذي أظهرته عيناه ثم تابع والآن بعد أن خسرته أشعر وكأني خسرت الدنيا وما فيها من دون محمود أصبحت وحيدا". ربما لا حزن في الكون يفوق أن تفقد الأم ولداً ، أم محمود لم تكن تذق النوم وولدها خارج المنزل ماذا ستفعل الآن بعد أن أصبح ولدها خارج الدنيا ،، كعادتها بعد أن حضرت أم محمود طعام الغذاء اتصلت على هاتف محمود لتخبره بأن الطعام جاهز وأنها بانتظاره ، لم يجبها محمود ، لقد نسيت أو تناست أن ابنها استشهد ترى أي وجع أكبر من هذا الوجع. حمل محمد وإسلام أختهم الصغيرة منة وهم يرددون لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله ، فلعبة الشهيد هي اللعبة المفضلة لديهم. كانت جدتهم تراقبهم فاستذكرت محمود فلا أحد بقدره يشغل تفكيرها استذكرت كيف أنه لم يكن يوما طفلا فمنذ طفولته كان رجلاً كانت ألعابه هي نفسها ألعاب أبنائه ، فهذا الكلاشن الخشبي الذي يلعب به إسلام يماثل الكلاشن الذي كان يلعب به محمود في طفولته يإلهي كم الشبه بينهما كبير قالت أم محمود وكأنني كلما نظرت إلى إسلام رأيت محمود "تعال يا إسلام لماذا أصريت على عمك أن يصنع لك هذا الكلاشن الخشبي" أجابها بكل براءة الدنيا أريد أن أتمرن على حمل السلاح يا جدتي فأبي أوصاني أن أصبح مقاتل عندما أكبر. وعن محمد قالت رشا "محمد ابني الأكبر هذا العام هو عامه الأول بالمدرسة "،تتوقف رشا عن الحديث وتتساقط من عينيها دموع لو أنها سقطت على حديد لانصهر وتتابع بصوت مرتجف" لو محمود كان معنا لفرح كثيراً بذهاب ابنه البكر إلى المدرسة" أما منة فهي المدللة بالمنزل والتي كما قالت عمتها لم يكن يستطع والدها أن يرفض لها طلب ، عندما ذهبت لزيارة والدها بالمقبرة طلبت منه أن يعود ليأخذها برحلة إلى البحر ترى كيف ستشعر هذه الطفلة بعد عجز والدها ولأول مرة أن يحقق لها طلب . عندما زرت أسرة الشهيد محمود عباس أسئلة كثيرة أخافتني وشعرت بعجز عن إيجاد إجابات لها ، ترى هل استشهاد محمود يعني موت أحلامه هل سيبقى أبناءه بلا منزل وبتلك الغرفة الصغيرة التي لا تصلح للحياة والسؤال الأخطر هل سنبقى نحن بلا وطن ؟؟ ربما في عينيك يا إسلام تكمن إجابات سؤالاتي. أيها الشهداء لكم العهد ومنا الوفاء تقرير : أحلام عيد تصوير : خالد ابو الجديان [/JUSTIFY]