ورقة الرفيق كايد الغول عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية في مؤتمر "المصالحة الفلسطينية : الآفاق والتحديات"
08 أغسطس 2018

[JUSTIFY]الآفاق المستقبلية للمصالحة الفلسطينية ورقة مقدمة إلى مؤتمر "المصالحة الفلسطينية : الآفاق والتحديات" بيروت 25-26-3-2015 لقد جاء الانقسام الفلسطيني الذي جرى عام 2007 في سياقٍ تأسّسّ له منذ أن طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي حينذاك إسحق رابين من مركز جافي الإسرائيلي للدراسات بلورة سيناريوهات لكيفية التعامل مع الانتفاضة الأولى التي كانت مشتعلة وقتها، وقد أوصى المركز في تقرير له عام 1989، بستة سيناريوهات من بينها سيناريو الانسحاب من قطاع غزة الذي "من الممكن أن تكون الآثار الناجمة داخل القطاع صراعاً حاداً بشأن السلطة بين وطنيين علمانيين (مدعومين بعناصر من منظمة التحرير يأتون من الخارج) وبين مسلمين أصوليين يتمتعون بقوة أكبر من قوتهم في الضفة الغربية"، وبالتواصل مع ذات الفكرة طُرح في مؤتمر هرتسيليا عام 2003 سيناريو إشغال الفلسطينيين بسلطة يختلفون ويتقاتلون عليها. وتقاطع مع ذلك سياسة أمريكية عملت على احتواء الإسلام السياسي المعتدل في المنطقة الذي توفّرت له فرص خوض الانتخابات في مصر والأردن وتمكّن فيها من تحقيق نتائج لافتة، وفي نفس السياق أجريت الانتخابات الفلسطينية عام 2006 بناءً على طلب أمريكي حققت فيها حركة حماس نجاحاً مفاجئاً حتى للحركة ذاتها. هذه النتائج المحققة في الانتخابات الفلسطينية أدّت إلى أن تصبح الساحة الفلسطينية أمام برنامجين وشرعيتين، شرعية الرئيس أبو مازن المسنودة بانتخابه كرئيس وبتراث حركة فتح في السلطة، وشرعية حركة حماس الناتجة عن فوزها بأغلبية ملحوظة في انتخابات المجلس التشريعي وما ترتب بموجبها من صلاحيات لها في تشكيل الحكومة وغيرها من المؤسسات. وبالتالي أصبحنا أمام واقع جديد للسلطة يتنازعها رأسان وبرنامجان أفرزا تناقضاً تم التعامل معه عملياً من قبل "الشرعيتين" بازدواجية السلطة التي كان من الصعب لها أن تدوم، وهو ما أدى في نهاية الأمر إلى حسم عسكري في يونيو 2007 ترتب عليه انقسام ليس في بعده السياسي فقط وإنما ببعده الجغرافي أيضاً، وتم تغذيته ولا يزال من قوى إقليمية ودولية مستندة إلى عوامل محلية لتكريس الفصل التام بين الضفة الغربية وقطاع غزة وقطع الطريق على إمكانية إقامة دولة فلسطينية بعاصمتها القدس على الأراضي المحتلة عام 1967. وبدون شك، فإن الانقسام بواقعه ونتائجه وبغض النظر عن دوافعه، قد حقق مخطط "إسرائيل" بإشغال الفلسطينيين بسلطة يختلفون ويتقاتلون عليها، وحقق في ذات الوقت مصلحة إسرائيلية تاريخية واستراتيجية عبّر عنها وعن أهمية الإمساك بها شمعون بيريز وغيره من قادة العدو، والتي بالاستناد لهذه المصلحة كان التأثير الاسرائيلي حاضراً بقوّة في إفشال جهود المصالحة وتعطيل الاتفاقات الموقعة بهذا الخصوص، مستنداً في ذلك إلى إشاعة مناخات وأوهام عن التأثير السلبي للمصالحة على ما يسمى "بعملية السلام" وتحميل الفلسطينيين نتائج توقف المفاوضات، وفي التهديد المباشر للسلطة عندما دعتها الحكومة الإسرائيلية بأن تحسم خياراتها بين المصالحة مع حماس وبين استمرار المفاوضات والعلاقة مع إسرائيل وما ترافق معها من إجراءات عدوانية ميدانية، ومن مصادرة لأموال الجباية الفلسطينية وغيرها من إجراءات الحصار. وللأسف، فإن هذا المخطط الإسرائيلي القائم على الضغوطات والابتزاز لإدامة حالة الانقسام نجح في أن يجد له استجابة داخلية، ترافق معها وعزّز منها ضغوطات وتأثيرات قوى إقليمية ودولية تتقاطع مصالحها في استمرار هذه الحالة، وفي استغلالها لجعل الأراضي الفلسطينية ميداناً لتصفية حسابات إقليمية فيما بينها تجلت بوضوح في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وقد وجدت هذه القوى أيضاً استجابة داخلية، وهو ما عكس في الحالتين استجابة من طرفي الانقسام للضغوطات، ولاستحقاقات علاقاتهما الإقليمية والدولية. وبدون شك أيضاً، فإن الانقسام ولّد مصالح استمرت مع سلطة فتح، وأخرى لقطاع جديد نشأ مع سلطة حماس توسّعت دائرته في ظل الحصار، ومع انتشار الانفاق التي ولّدت ظاهرة إثراء أطلق عليها في قطاع غزة بالمليونير "أبو شبشب" تعبيراً عمّا انتجته الانفاق من برجوازية رثّة دون الاستناد لعلم أو بنية تحتية، وجماعات المصالح هذه وغيرها التي لها تأثير في القرار السياسي عند الطرفين كانت ولا تزال هي الأخرى تُمارس سياسة الابتزاز والتعطيل لجهود المصالحة حفاظاً على مصالحها. باختصار، مشكلة البرامج المختلفة، والمصالح المختلفة لفريقي الانقسام، فضلاً عن تأثيرات العوامل الإقليمية والدولية عليها ورهانات خاطئة على المتغيرات في المنطقة إثر ما سُمّي بالربيع العربي حالت دون الوصول إلى إنهاء الانقسام حتى الآن بالرغم من المبادرات والجهود التي لم تتوقف من قبل القوى الوطنية والإسلامية، وبالرغم من الاتفاقيات الثنائية والجماعية التي وقّعت منذ عام 2005 مروراً باتفاق القاهرة 2011 وإعلان الدوحة 2012 وصولاً لاتفاق الشاطئ في نيسان 2014. ومع ذلك، فإن حقائق الصراع الموضوعية مع العدو، وتجربة ووعي شعبنا، ووجود منظمات سياسية ومنظمات مجتمع أهلي تستشعر خطر الانقسام سيجعل دائما من مهمة إنهائه أولوية لها، ولغالبية الشعب الذي يعتبر أن استعادة الوحدة ليس خياراً من بين خيارات عدة، وإنما هو ممر إجباري وخيار وحيد للحفاظ على القضية الوطنية التي بات يتهددها خطر التبديد والتصفية من خلال محاولات ومشاريع معلنة وغير معلنة تعمل على تكريس الفصل التام بين الضفة والقطاع، وعلى تصفية حقوق الشعب الفلسطيني بمشروع كيان ما في القطاع، وحُكم إداري ذاتي في أحسن الأحوال بالضفة الغربية. وأعتقد بأن نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي عمّقت من الميول المتزايدة نحو اليمين في المجتمع الإسرائيلي، وانعكاسات ذلك على السياسة العامة للحكومة الإسرائيلية المتوقعة بيمينيتها وتطرّفها وغير المستعدة، بل والرافضة للتعاطي مع أي جهود دولية تؤدي لقيام دولة فلسطينية، يوفّر فرصة حقيقية لإنهاء الانقسام إذا ما تم التعامل مع نتائج الانتخابات بوعي ومسؤولية، وفي إطار رؤية مخاطر تجسيد المشروع الصهيوني في فلسطين القائمة على قدم وساق، والمتضمن في مرحلته الأولى تنفيذ مخطط إسرائيل الكبرى من خلال مصادرة الأراضي، ومصادرة القدس وتهويدها، وعزل القطاع عن الضفة، وتنفيذ ما ورد في خطة أرئيل شارون التي طرحها عام 2001 تحت عنوان الحل المرحلي الاستراتيجي الذي ينتهي إلى انسحاب إسرائيلي من نحو 42% من أراضي الضفة تُشكّل مناطق الكثافة السكانية فيها. فضلاً عن ذلك، فإن وضوح السياسة الإسرائيلية التي تجلت أكثر ما يكون في فترة الانتخابات الأخيرة وما بعدها، وإدارة الظهر لأقرب حلفاؤها خلق مناخات دولية غير معادية كالسابق لجهود إنهاء الانقسام، وهو ما يعني أن عقبة خارجية مهمة يمكن تجاوزها في هذه الفترة، وتُشكّل فرصة للبناء عليها في التقدّم لتنفيذ اتفاق المصالحة. والأهم، أن المناخ الفلسطيني السائد هو مناخ اشتباك وصراع مع الاحتلال، وهو مناسب بل المناسب لإنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية انطلاقاً من ركيزتين لا بد من توفرهما، الركيزة السياسية المستندة إلى استراتيجية وطنية متوافق عليها تُشكّل وثيقة الأسرى إحدى مرجعياتها وتقوم على تكامل كل عناصر القوة الفلسطينية وأشكال النضال، والركيزة التنظيمية التي تعتمد الشراكة في المؤسسات، وفي التقرير بالقضايا الوطنية. وإلى جانب المناخ الفلسطيني السائد، فإن قرارات المجلس المركزي الفلسطيني في دورته السابعة والعشرين، وقرارات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بتاريخ 19-3-2015، ودخول العلاقات الفلسطينية الرسمية مع الاحتلال مرحلة الاشتباك الذي قد يفتح على صراع يتطلب وحدة في القرار السياسي الفلسطيني، يوفر فرصة سانحة أيضاً لإنهاء الانقسام لا بد من البناء عليها. إذن، نحن أمام فرصة لابد من التقاطها وتعزيزها بضغط جماهيري وسياسي لا يسمح بإعادة استحضار المعيقات، ولا بإعادة تبدّل الأوضاع الفلسطينية والمناخات المتوفرة بالرهان على متغيرات متحركة في الإقليم وعلى المستوى الدولي، وهذا يستدعي :- أولاً :- الدعوة العاجلة للجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها إطاراً قيادياً مؤقتاً للقيام بمسؤولياتها المنصوص عليها في اتفاق المصالحة، والعمل على انتظام اجتماعاتها لمعالجة أي عقبات قد تعترض المصالحة، ولتوفير الشراكة في مناقشة وإقرار السياسات الوطنية، ومتابعة إجراءات عقد انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني. وإنني أرى في دعوة هذا الإطار والقيام بالدور المناط به حلقة مفتاحية لباقي ملفات المصالحة، بل وضامناً لمسار المصالحة حتى نهاياته. ثانياً:- تفعيل دور حكومة الوفاق الوطني ليشمل الأراضي الفلسطينية كافة، وتمكينها من آداء دورها المنصوص عليه في اتفاق المصالحة بعيداً عن التدخل في صلاحياتها والإملاء عليها، وبعيداً عن الاستخدام الموظّف لها في إطار الصراع بين طرفي الانقسام. ثالثاً:- دعوة المجلس التشريعي للانعقاد للقيام بدوره التشريعي ومراقبة أعمال الحكومة. رابعاً:- البدء بحوار وطني شامل وعميق من أجل وضع استراتيجية وطنية شاملة، تعيد التأكيد على الحقوق الوطنية كافة، وعلى استخدام وتفعيل كل وسائل المقاومة سواءً المسلحة منها أو السياسية والدبلوماسية والشعبية وبما يقود إلى تجنيد طاقات كل الفلسطينيين في إطارها، وإلى إعادة شد الوتر باتجاه القضية الوطنية والصراع مع العدو بعد أن طغت القضايا الإنسانية على الهموم والحقوق الوطنية العامة. خامساً:- أن يشمل الحوار رؤية موحدة تجاه الانتخابات وهدفها بحيث لا تتحول في نتائجها إلى ميدان جديد من الصراع الدموي على السلطة، وإنما إلى وسيلة لتفعيل خلايا المجتمع ولإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بكل مكوناته وفي المقدمة منه منظمة التحرير الفلسطينية على أساس ديمقراطي وفق نظام التمثيل النسبي الكامل يعيد لها حيويتها، وتجديد وتعزيز مكانتها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. سادساً :- مراجعة وظائف السلطة الفلسطينية ودورها، وإعادة صوغها وفقاً للاستراتيجية الوطنية الشاملة، وبالاستناد إلى القرار المتعلق بمكانة دولة فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة بما يتطلبه ذلك من وظائف مغايرة تعمل على تجسيد الدولة بعيداً عن القيود التي فرضتها اتفاقيات أوسلو. سابعاً:- تفعيل قرار انضمام فلسطين إلى المواثيق والمعاهدات الدولية، ومتابعة إجراءات الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية. ثامناً:- التواصل مع جامعة الدول العربية بسياسة محددة تُشكّل العناصر السابقة أساساً لها، والطلب منها الدعم والإسناد، والالتزام بالاستحقاقات المالية التي تُمكّن من تحقيقها. تاسعاً:- معالجة القضايا الناشئة عن الانقسام والحصار بمسؤولية وطنية، والإبتعاد عن استخدامها كشكل من أشكال الضغط من أي طرف على الآخر، وفي هذا السياق لابد من معالجة سريعة لـ:- ملف الموظفين في الحكومات السابقة لحركة حماس وغيرهم من الموظفين الذين قطعت رواتبهم فضلاً عن موظفي 2005 وفق معايير محددة، وخطة طريق تفضي إلى إنصافهم باعتبارهم موظفين تابعين لحكومة فلسطينية واحدة تتساوى فيها الحقوق والواجبات للجميع. ملف المعابر من خلال تسليمها إلى حكومة التوافق وحرس الرئاسة، وإخراجها من دائرة التجاذب التي أدّت في المحصلة إلى سجن ما يقرب من مليوني شخص يسكنون قطاع غزة. مشكلة الكهرباء التي هي بحاجة إلى معالجة آنية واستراتيجية بعيداً عن التجاذبات السياسية، فضلاً عن مشكلة المياه والصرف الصحي وغيرها من المرافق الحيوية. إعادة بحث ملف الإعمار بما يحرره من قيود اتفاقية روبرت سيري، وقيود الاحتلال وبعض الأطراف الدولية التي جعلته موضع ابتزاز لتحقيق أهداف سياسية متناقضة مع مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية. معالجة ملف القضاء من خلال توحيده، ومراجعة وتدقيق القوانين والقرارات الرئاسية بقانون التي صدرت فترة الانقسام وتوحيدها انطلاقاً من القانون الأساسي ومرجعيات القضاء ذاته. أخيراً، وأنا أتقدم برؤيتي عن آفاق المصالحة التي أرى أن فرصها متوفرة الآن، فإنني أحذر من امكانية الإرتداد عليها نتيجة الحسابات الفئوية الضيقة والضارة، أو نتيجة رهانات وإغراءات يمكن أن تُقدم من أطراف خارجية لأي من فريقي الانقسام، خاصة وأن بوادرها قد بدأت تلوح في الأفق، سواء من خلال ما نشر عن اعتزام فرنسا تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن يحدد قواعد الوصول لدولة فلسطينية بعد عامين من المفاوضات، مقرونة بتصريحات الرئيس أوباما بالتفكير في الذهاب لمجلس الأمن لتمكين الفلسطينيين من الحصول على دولة في إطار رده على تصريحات نتنياهو برفض الدولة الفلسطينية، وعلى مواقفه التحريضية وتحديه لإدارته بدعوة الكونغرس لرفض الإتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، أو سواءً بما يقدم من اغراءات بإنشاء مطار وميناء في قطاع غزة وتزويد محطة الكهرباء فيه بالغاز الإسرائيلي مقابل هدنة طويلة الأمد ووقف أعمال المقاومة من فوق وتحت الأرض وقبول شروط الرباعية. كايد الغول عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين 25/3/2015[/JUSTIFY]