بعد الذروة - معاريف

01 ديسمبر 2018

بقلم: شلومو شمير

(المضمون: خطة السلام للرئيس ترامب فشلت حتى قبل أن تخرج الى هواء العالم، وفرصها هزيلة قبل أن نعرف بوضوح ما الذي يوجد فيها. هذه ذروة لا بد ان السفير فريدمان بالطبع لم يحلم بها - المصدر).

نشر هذا الاسبوع تأبين رسمي لفرص خطة السلام للرئيس الامريكي دونالد ترامب. المدهش هو أن احتفال هذا التأبين كان على مبادرة لم تولد بعد والمؤبن كان من هو شريك في مساعي توليدها. فتصريح سفير الولايات المتحدة في اسرائيل ديفيد فريدمان بان الخطة ستنشر "حين تتوصل الادارة الى الاستنتاج بان احتمال قبولها وتنفيذها يصل الى الذروة"، كان دليلا خالدا على أن الخطة لن تنشر في المستقبل المنظور ومشكوك جدا أن تقدم على الاطلاق. اقواله ايضا كشفت السفير المحترم ليس فقط كمن ليس له تجربة دبلوماسية بل وايضا كمن لا يفهم الواقع السياسي المعقد في الدولة التي يخدمها فيها كممثل لبلاده.

ليس هكذا يتحدث سفير – بل وعلنا – عن مبادرة سلام ينظر اليها رئيسه لانها صفقة القرن، وفي البيت الابيض يعملون عليها منذ سنتين، وهو نفسه ضمن الفريق المكلف ببلورتها وصياغتها. فما معنى "احتمال قبولها يصل الى الذروة"؟ عن اي ذروة يتحدث السفير فريدمان؟ أن يهمس وزير التعليم نفتالي بينيت ووزيرة العدل آييلت شكيد في اذنيه بانهما مستعدان للموافقة على بند في الخطة يقول ان القدس ستكون عاصمة مشتركة لاسرائيل والشعب الفلسطيني؟ فالوزيرة شكيد سبق ان قالت في خطابها في مؤتمر "جيروزاليم بوست" ان الرئيس ترامب يضيع وقته في اعداد الخطة". ولعل السفير فريدمان يتوقع ان تتضمن امكانية قبول الخطة ليس فقط رئيس السلطة ابو مازن بل وايضا قيادة حماس بان تعلن مسبقا تأييدها لها. هذه بالفعل ستكون ذروة، ولكنها هاذية وغير واقعية.

توجد "ذروة" اخرى امكانيتها قائمة بالذات في بلاد السفير فريدمان. ولكن يبدو أنه ليس واعيا لوجودها: موافقة معلنة من قيادة الافنجيليين في الولايات المتحدة على مبادرة سلام لا يريدها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حبيب قلبهم.

***

الى الفريق الذي يعنى ببلورة الخطة انضم مؤخرا كمستشارين، وزير الخارجية مايك بومباو ومستشار الامن القومي جون بولتون. ولكن ما لا يعرفه فريدمان في مكانة اقامته في اسرائيل على ما يبدو هو أن بومباو يتحفظ من نشر الخطة ويطلب تأجيل عرضها الى موعد غير محدد. بومباو، الذي عارض في حينه نقل السفارة الامريكية الى القدس، يتطلع الى سياسة خارجية شرق اوسطية متوازنة. جون بولتون لا يحب خطة السلام انطلاقا من عطفه الثابت على اسرائيل ومعرفته بان رئيس الوزراء نتنياهو، موضع اعجابه يتطلع الى الحفاظ على الوضع الراهن الحالي في العلاقات غير العلاقات مع الطرف الفلسطيني. بولتون هو الرجل الاخير في واشنطن وفي الادارة الذي سيؤيد خطوة من المتوقع لاسرائيل أن تعارضها او حتى تتحفظ منها.

يهود كبار في الجالية ممن يتماثلون كمن يقيمون علاقات مع محافل في قيادة البيت الابيض ويطورون علاقات قرب مع نتنياهو، يبلغون في محادثات خاصة بان رئيس الوزراء شدد مؤخرا معارضته لخطة السلام، وتخوفه من نشرها اصبح لديه كابوسا. "توصل نتنياهو الى الاستنتاج بان كل خطة، حتى وان كانت في قسم منها تميل الى اسرائيل ستصبح عاملا يهدد سلامة الائتلاف الذي يوجد على اي حال في وضع مهزوز"، قال رئيس منظمة يهودية مركزية سابق.

تدعي محافل دبلوماسية في مركز الامم المتحدة في نيويورك ومحللون في واشنطن بان الرئيس ترامب فقد مؤخرا حماسته لمبادرة السلام. وزعم في احاديث خاصة انه رغم تغريداته المؤيدة للخطة، بدأ الرئيس يفهم بان هذا مشروع معقد جدا من شأنه أن يتسبب له بالاحراجات. "لقد استوعب الرئيس تناقضا داخليا صعبا بالنسبة له في الحاحية الخطة"، قال خبير في شؤون الشرق الاوسط. "اذا كانت الخطة تميل تماما لصالح اسرائيل ونتنياهو يحبها، فان اللاعبين العرب ذوي الصلة سيرفضونها رفضا تاما. واذا كانت الخطة متوازنة، فالرئيس سيكون ملزما بان يتنازع عليها ليس فقط مع ابو مازن بل ومع نتنياهو ايضا. وترامب سيفكر 10 مرات اذا كان مستعدا لان يخاطر بتأييد 80 مليون افنجيلي في امريكا".

التقدير هو أن ترامب سينتظر فرصة تبدو في نظره مناسبة لنشر خطة السلام، ولكنه لن يقاتل في سبيل تقدمها. فهو سيكتفي بنشرها وبالانكشاف الاعلامي الذي يحبه جدا. "بالاجمال يريد الرئيس بكل قلبه ان يحقق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين"، قال مسؤول يهودي تولى في الماضي منصب رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية. "ولكنه ارتكب خطأ جسيما وكلف ببلورة الخطة وتصميمها طاقما عديم كل خلفية وتجربة سياسية، عديم كل معرفة لواقع الشرق الاوسط وعديم الفهم للقوى في الساحة المدنية. مع طاقم مهني، جيد وخبير الى جانب رئيس مفعم بشكل مهووس بالتطلع على تقدم السلام – كان يمكن تحقيق نتائج جيدة على الارض منذ زمن بعيد.

كل رئيس وادارة امريكيين في العقود الخمسة الاخيرة فشلوا في مساعيهم للتوسط بين الطرفين المشاركين وحملهما الى اتفاق حول حل سياسي. ولكن خطة السلام للرئيس ترامب فشلت حتى قبل أن تخرج الى هواء العالم، وفرصها هزيلة قبل أن نعرف بوضوح ما الذي يوجد فيها. هذه ذروة لا بد ان السفير فريدمان بالطبع لم يحلم بها.