"غضب المخيم".. لهيب ونار على بني صهيون وانتصار سُطر بالدم والصمود

18 سبتمبر 2020

الإعلام الحربي_الضفة المحتلة :

"غضب المخيم" معركة بطولية استطاعت المقاومة فيها أن تمرغ أنف العدو في تراب مخيم العين وسطر فيها المقامون أروع ملاحم البطولة والفداء .. نستعرض أمامكم المعركة البطولية بكامل تفاصيلها

 

تفاصيل معركة مخيم العين التي أطلق عليها "غضب المخيم" كما يرويها رفاقنا المقاتلين:

في الثامن عشر من شهر أيلول الماضي، وفي الساعات الأولى من المساء اخترقت أصداء الآليات والدبابات الصهيونية سكون الليل لتتقدم إلى مداخل مدينة نابلس حاجز حوارة، وبيت فوريك، وبيت إيبا، والطور وحاجز17، مما شكل قناعة للمقاومة بأن الساعات المقبلة ستكون حبلى بالأحداث والتطورات، ولن تأتي بأحداث طبيعية، مما حذا برفاقنا إلى الاستنفار الشديد والتفكير بروية عن كيفية المواجهة التي أصبح لا مناص منها، حيث تأكد الرفاق فعلاً واقتنعوا أن تلك الحشودات ستدخل فعلاً البلدة القديمة، ومخيم العين ذلك المخيم الذي أوجعهم وآلمهم بشكل غير مسبوق هذا العام، بعملياته الموجعة ضد جنود وآليات الاحتلال.

أخذ المقاومون يجهزون إمكانياتهم لمواجهة هذا الهجوم غير المسبوق على المخيم والبلدة القديمة، رغم تواضع الإمكانيات التي لا تذكر أمام الآلة العسكرية الصهيونية الضخمة.

وعقدت قيادة كتائب الشهيد أبو على مصطفى في مدينة نابلس اجتماعاً موسعاً لقادتها لتدارس العدوان الصهيوني الآت بلا محالة، لمواجهته والتشاور في أنجع الطرق لصد هذا الإجرام الصهيوني والوسائل الكفيلة بمواجهته مهما كان الثمن ومهما كانت التضحيات، وقد خرجت الكتائب خلال هذا الاجتماع بقرارات صارمة كان أهمها دعوة جميع أعضاء وعناصر وكوادر الجبهة، والرفاق في كتائب الشهيد الخالد أبو على مصطفى للاستنفار العام للتصدي للقوات الغازية مهما كلف الثمن، حيث اتفق الجميع على ضرورة الانسحاب التكتيكي من مخيم العين إذا تجاوز الاجتياح والحصار الأيام التي اتفق عليها في الاجتماع.

وكانت إحدى قرارات الكتائب هو التركيز على مخيم العين وبسرعة إمداده بكافة الإمكانيات البشرية والمادية , لان التقديرات شكلت قناعة أن هذا الهجوم ستكون وجهته الرئيسية مخيم العين.

الخطوات التمهيدية للمعركة:
قام رفاقنا الميامين بزرع العبوات الناسفة بكل شارع وزقاق  بالمخيم,وأعطيت التعليمات لأن يكون لدى كل مقاوم كافة اللوازم والاحتياجات التي تضمن صموده في مواجهة العدوان، كما قررت الكتائب أن يكون العمل على شكل خلايا لا يزيد عدد أفراد الخلية الواحدة فيها أكثر من ثلاثة رفاق، ومن الطبيعي أن تغلق كافة الهواتف النقالة، وأعطيت تعليمات شديدة اللهجة من قيادة الكتائب إلى الرفاق بعدم الاتصال واستخدام تلك الهواتف إلا بطريق آمنة احتياطاً للمراقبة.

جاهزية واستعداد :

خلال ساعة واحدة كانت كل التعليمات في حيز التنفيذ, وكان الرفاق في الكتائب على أتم الجاهزية للتصدي للعدو الصهيوني فيما إذا اقتحم المخيم, ولم ينسى الرفاق التنسيق مع فصائل المقاومة في المخيم وعلى رأسها كتائب القسام في المخيم، حيث اتفقوا على الوقوف جنباً إلى جنب خلال المعركة مع الاحتلال الصهيوني .

وبعد منتصف الليل تحركت الآليات العسكرية تجاه المدينة من كافة المحاور متجهة نحو مخيم العين، وبدأ حينها جيش الاحتلال الصهيوني ترافقه طائرة أباتشي بحصار المخيم من كافة المحاور وطائرات التجسس "الاستطلاع" تحلق بكثافة في سماءه .

وفي تمام الساعة الثانية صباحاً تقريباً بدأ الجيش باقتحام المخيم من كافة المحاور في وقت واحد, وحولت القنابل المضيئة التي أطلقها ليل المخيم إلى نهار.

العبوات الناسفة تطاردهم وتقتل ضابطاً وتجرح العديد:
بمجرد دخول الجيش الصهيوني إلى المخيم كانت العبوات تتفجر في كل مكان والرصاص يطلق عليهم من كل جانب, وسكان المخيم يهتفون بأعلى صوتهم يحيون كتائب الشهيد أبو علي مصطفى ويشدون من معنوياتهم, وأثناء تلك المعارك وإحدى هذه الاشتباكات استشهد الرفيق محمد رضا خالد الذي واجه بكبرياء تلك الآلة الرهيبة فقتل ضابطاً صهيونياً وأصاب آخر، واعترف العدو الصهيوني بهذه العملية المفزعة له والتي لم يتوقعها.

إذا لقد فك الرفيق محمد رضا خالد شيفرة ذلك السر، وتلك الأسطورة التي تزخر بها مخيم العين، فقد كانت معركة حقيقية بامتياز، وإن كانت لأحد رفاقنا القدرة على المواجهة والالتحام المباشر لقوات الاحتلال، وأن ينجح في قتل وجرح العديد، فإن هذا دليل على أن المعركة كانت شديدة، وأن كتائبنا المظفرة وباقي فصائل المقاومة قد لطمت العدو الصهيوني لطمه قاسية في بداية تلك المعارك.

وفي اليوم الثاني وبعد الفشل والخسائر التي تكبدتها قوات الاحتلال دخلت تعزيزات كثيرة من الجيش الصهيوني للمخيم, وكأنتحرب ضروس ومعركة ملحمية مع جيش بأكمله وليست مع عدد قليل من الرفاق .

التزود بالذخيرة:

مع شراسة المواجهات و دوي الانفجارات والاشتباكات المستمرة كان هناك خوف من أن تنفذ الذخيرة, فتسلل احد الرفاق من الكتائب برغم الحصار الخانق خارج المخيم ليجلب الذخيرة, ومع شدة المعارك ظن الرفاق أن الرفيق لن يستطيع العودة إليهم، إلا أن الرفاق تفاجئوا بعودته ومعه الذخيرة وخمسة رفاق آخرين من كتائب الشهيد أبوعلي مصطفى , وهنا بدأت المعركة من جديد أكثر عنفا وأكثر ضراوة من السابق.

مع اشتداد المعركة داخل المخيم وهذا التصدي الأسطوري الذي قادته الكتائب وبدون مبالغة لم يستطع الجيش الصهيوني من التحرك والتنقل في شوارع وأزقة المخيم, فعمد إلى اقتحام المنازل وتفتيشها تفتيشا دقيقا بمساعدة الكلاب والأجهزة الالكترونية المتقدمة بحثا عن الرفاق.
فلقد كانت كل الأمور في طريقها إلى أن تتكرر تجربة مخيم جنين من شدة المقاومة وعنفوانها، هذا الأمر الذي جعل الجيش يتنقل فقط من خلال المنازل, حيث كان يقوم بهدم الجدران لينتقل من منزل لآخر فدمروا عشرات المنازل ليتربصوا للمقاومة ويحتجزونهم  في مربع ضيق، إلا أن رفاقنا كانوا لهم بالمرصاد.

وتفاجئ الجيش الصهيوني إلى أن النيران والقنابل تطلق عليه من المنازل التي يتم تفتيشها, وبهذا فشلت محاولاته بحصار المقاومة في مربع واحد كما أراد، فجن جنون الجيش الصهيوني فأصبح يطلق النار على كل من يتحرك بالمخيم بشكل عشوائي وذلك أن نم ينم عن حالة الخوف والهلع والجزع, حيث أصابت تلك الرصاصات الغادرة الشهيد المقعد من ذوي الاحتياجات الخاصة الشهيد أديب سليم الداموني وهو داخل منزله، فكانت جريمة جديدة تضاف إلى سجل الجرائم الصهيونية.

وعمد بعد ذلك الجيش الصهيوني إلى تفجير البنى التحتية في المخيم وتفجير مغارة ملاصقة لبيت جاد حميدان الذي يعتبره الاحتلال من اخطر مطلوبي كتائب الشهيد أبو على مصطفى في نابلس ومخيم العين تحديداً.

تدمير بيوت النسور:

مع ازدياد الصمود والتحدي قام الجيش الصهيوني بتدمير بيوت الرفاق , فقام بإخلاء بيت القائد جاد حميدان من السكان وتفجير المخازن مما أدى إلى انحراف البيت بشكل واضح وغير صالح للسكن، وقام أيضاً بهدم منزل الرفاق من عائلة مبروك , منزل الشهيد ناصر والشهيد عماد والأسير أيمن الذي أصيب واعتقل قبل اجتياح المخيم، كما قام بهدم بيت أبو ناصر مبروك , ليشرد أكثر من ثلاثين فردا بلا مأوى، فضلاً عن تخريب منزل القائد مجدي مبروك الذي تتهمه قوات الاحتلال بقيادة الكتائب بالمخيم.

اعتقالات وتحقيقات ميدانية:

لم يكتف الاحتلال بذلك العمل الإجرامي, بل اخذ يعتقل المواطنين ويخضعهم للتحقيق الميداني، طالباًمنهم أن يخبروه أين يختبأ فرسان كتائب الشهيد أبوعلي مصطفى, فما كان من احد المواطنين إلا أن قال لهم "إنهم لا يختبئون فها هم أمامكم يطلقون النيران عليكم ويفجرون العبوات فيكم فماذا تريدون منا نحن ؟

وطالت الاعتقالات بالمخيم الكثير من المواطنين, وخلال هذه الحملة المسعورة تم اعتقال القائد القسامي نهاد شقيرات ( أبو النسيم ) بعد قتاله بشراسة القوات الغازية، حيث نفذت ذخيرته.

هزيمة ساحقة.. وانسحاب:

في اليوم الثالث ومع ازدياد خسارة العدو في المخيم بدأ الجيش الصهيوني بالانسحاب وسط هدير وأصوات الاشتباكات التي لم تتوقف على مدار ثلاثة أيام متواصلة، حيث من الواضح أن قوات الاحتلال باتت على قناعة أنها وقعت في فخ فرسان أبو على مصطفى، وأنها إن استمرت بالمواجهة بالمخيم ستخسر الكثير، ولذلك في تمام الساعة الرابعة تقريبا كان الجيش يخرج من المخيم مذلولاً مهزوماً يجر أذيال الخيبة على أيدي كتائب الشهيد أبوعلي مصطفى.

وخلال الانسحاب كانت كتائب الشهيد أبوعلي مصطفى قد نصبت له الكمائن على كافة الطرق التي سيسلكها فتم الاشتباك معه بالقرب من منتزه جمال عبد الناصر وبالقرب من الدوار في نابلس وعلى شارع القدس بالقرب من مخيم بلاطة, معترفا انه خلال انسحابه أصيب احد جنوده بجروح خطيرة.

بعد انسحابهم من المخيم تركوه وكأن زلزال قوي قد ضربه من شدة الدمار الذي خلفه حقدهم.

ما بعد الانسحابتهنئة بالنصر وتشييع للشهداء:

بعدها بساعات قليلة شيعت الجماهير جثمان الشهيد ابن كتائب أبوعلي مصطفى القائد محمد رضا خالد والشهيد أديب سليم الداموني.

وفي بيت العزاء للشهداء كان المواطنون من كل مكان يهنئون كتائب الشهيد أبو علي مصطفى على هذا الصمودالانتصار الذي تحقق على ايديهم.

بعد الانسحاب من المخيمبثلاث أو أربع أيام اقتحم جيش الاحتلال بلدة بيت فوريك وعورتا ودير الحطب واعتقل 12 رفيق بتهمة انتمائهم للجبهة الشعبية, وقاموا بتدمير أجزاء من منزل أحد قادة الكتائب البارزين الرفيق احمد مشعطي وتهديد أهله بهدم المنزل إن لم يسلم نفسه خلال شهر.


ولأن الوطن يستحق الكثير فقد كان لزاماً علينا أن نبلغ الأمانة على أكمل وجه، ونرسلها لكل وطني على هذه الأرض، ليسجل التاريخ أسطورة جديدة.. وينقش على صخور جبال نابلس ثورة لا تنسى.

فللجيل القادم حق أن يعرف ماذا كانت تدور في رحى جبالنا، وأزقتنا، ومدننا، وقرانا رغم اختلاف المكان، وعظمة مشهد الكرامة، واختلاف البطل، إلا أن الموت بهذه المعارك البطولية سيكون كهلاً أمام الحياة التي ستتوهج في جسد الجيل القادم ليبدأ معركة جديدة في بقاع هذا الوطن الغالي.

فالأمانة تقتضي أن نستذكر هؤلاء الرجال الحقيقيين في زمن ضعف به الرجال.. فعظمة نابلس برجالاتها أصبحت أسطورة فعلية سيتغنى بها الجيل القادم، كانوا على يقين أنهم لن يرتدوا حتى يزرعوا جنتهم وها قد حققوا أمنيتهم


النصر لشعبنا ومقاومته الباسلة

التحية للسواعد المقاتلة

الوطن أو الموت .. النصر أو الشهادة