27 عاماً على رحيل المناضل صالح دردونة ( أبو ناصر )
23 نوفمبر 2021

في مثل هذا اليوم
23/11/1994م، رحل القائد الوطني واحد قادة القوميين العرب في فلسطين وعضو اللجنة
المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واحد مؤسسيها في قطاع غزة، والأسير المحرر
الذي تعرض للاعتقال في سجون الاحتلال أكثر من مرة، ذاق خلالها مرارة السجن وقسوة
السجان وتعرض لضغوط مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي حيث امضى في حلكة ظلمتها
وبين جدرانها الشاهقة نحو ثلاثة عشر سنة، فسلبت خلالها حريته وقيدت حركته، فيما
بقى حراً طليقاً بفكرة وتفكيره ورأيه وعطائه.
ولد صالح صالح مصطفى
دردونة في العاشر من شهر مايو عام 1936م في مدنية جباليا شمال قطاع غزة، من أسرة
فلاحين متوسطة لحال، توفى والده قبل مولده، حيث تربى في كنف والدته الفاضلة، انهى
دراسته الابتدائية والإعدادية في مدارسها ومن ثم حصل على شهادة الثانوية العامة من
مدرسة فلسطين الثانوية بغزة، في ذلك الوقت التحق بالنشاط والفرق الكشفية داخل
المدرسة، بعدها سافر الى الاسكندرية حيث التحق بجامعتها وحصل على شهادة الليسانس
في التاريخ منها، خلال فترة الدراسة التقى صالح دردونة برفاقه وأخوه النضال فيما
بعد حيث نشط بين صفوف الطلاب وحظي باحترام واسع وعلاقات زمالة طلابية ممن اكسبه
خطاً وافراً لأن يكون من أبرز الطلبة الناشطين في القضايا القومية والوطنية.
كانت نكبة عام 1948م
التي حلت بالشعب الفلسطيني وتهجيره تحت وطأة الإرهاب العنصري الصهيوني حافزاً له
ليبدأ نشاطه الطلابي بتشكليه روابط وحلقات طلابية يبادلون فيها الرؤى حول الوطن
والقضية.
عام 1956م عندما وقع
العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة، بدأ مع زملائه بتشكيل فرق المتطوعين من الطلبة
الذين بدورهم تركوا مقاعد الدراسة الجامعية والتحقوا بصفوف المقاومة الشعبية
المصرية وأخذوا بالتدريب على السلاح، وسافروا الى بورسعيد حيث المعارك هناك، ومع
انتهاء العدوان الثلاثي على مصر عاد الى مقاعد الدراسة في جامعة الاسكندرية، حيث
شكل أول رابطة لطبة فلسطين هناك وانتخب رئيساً لها في عام 1958 عام الوحدة بين مصر
وسوريا، تبع ذلك انتماءه لحركة القوميين العرب.
بعد تخرجه من الجامعة
عين مدرس في مدرسة يافا الثانوية، ولم تمض سوى بضعة اشهر حتى أصبحت المدرسة تعج
بخلايا حركة القوميين الذي اشرف بدوره على بناءها وإدارتها وكان لدماثة خلقة
وإخلاصه في عمله الدور الفاعل لحيازته على تقه المدرسين والطلبة في آن واحد.
انتقل من مدرسة يافا
وعين وكيلاً لمدرسة الفالوجة الثانوية في شمال غزة عام 1964م، أي عام ولادة منظمة
التحرير الفلسطينية، حيث لم يثنيه نشاطه السياسي والطلابي عن أن يكون له دور في
تخفيف الأعباء الحياتية عن جموع الفقراء والمسحوقين من الفلاحين والقرويين
البسطاء، حيث اشرف على تأسيس أول جمعة تعاونية في جباليا بهدف تخفيف الأعباء
الاقتصادية عن الأسر المستورة حين ذلك.
بعد هزيمة حزيران عام
1967م واحتلال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية وإجزاء من الأرضي العربية وانقلاب
الخارطة السياسية للوطن العربي بدأ الجميع يقيمون المرحلة التي وصل إليها حالة
الامة العربية بعد الهزيمة النكراء حيث تمخضت هذه التفاعلات والتطورات الحاصلة عن
توحيد جهود المنظمات العسكرية لحركة القوميين العرب وتشكيل فصيل الجبهة الشعبية
لتحرير فلسطين بزعامة عام الدكتور/ جورج حبش ورفاقه، وعليه فقد كان الرفيق/ صالح
دردونة ( أبو ناصر) من الأوائل الذين لبوا النداء والانخراط في النضال والتحول
والانتماء للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأخذ على عاتقة إعادة ترتيب أوضاع الحركة
تحت لواء الجبهة ليخوضوا غمار النضال ضد المحتل الغاضب فكان خلالها رمزاً نضالياً
وحدودياً من رموز وقادة الحركة الأسيرة حيث تم اعتقاله من قبل السلطات الاسرائيلية
يوم 5/11/1969م وفور اعتقاله أقدمت تلك السلطات على فصلة من التدريس يوم
6/11/1969م حيث أمضى محكوميته لمدة ثلاث سنوات بعدها تم الافراج عنه في شهر مايو
عام 1972م.
بعد اطلاق سراحه
التقى مع المناضل الشهيد/ محمد الأسود ( جيفارا غزة) الذي كان في حينه مطارداً
لقوات الاحتلال الصهيوني, وهو المسؤول الأول للجبهة في قطاع غزة، إذ تسلم قيادة
قطاع غزة فور استشهاد ( جيفارا) ليصبح بذلك الرجل الأول للجبهة الشعبية لتحرير
فلسطين في قطاع غزة.
قاد مسيرة الجبهة في
القطاع من عام ( 1973 – 1975) خلال تلك الفترة كان للجبهة الشعبية نشاطاً ملحوظاً
خاصة على الصعيد العسكري وقد شكلت خلايا عسكرية واعية ومنضبطة من جنوب القطاع حتى
شماله، كما تمكن من تنظيم العلاقة الكفاحية بين مختلف الخلايا العسكرية التابعة
للجبهة.
اعتقل ( أبو ناصر)
بتاريخ 14/1/1975م وأمضى فترة عشرة سنوات في سجون الاحتلال متنقلاً بينها، مسطراً
بذلك أروع الصفحات في العطاء والإخاء الوحدوي بين صفوف المعتقلين
تم الأفراج عنه بتاريخ 15/1/1984م، ليبدأ
نضاله الاجتماعي بتوفير مقومات الصمود والحياة الكريمة لجماهير شعبنا حيث أصبح
بيته مزاراً للجميع، وكان متنقلاً من بيت لآخر زائراً ومصلحاً اجتماعياً وقائداً
سياسياً.
كان أبو ناصر عنواناً
حقيقياً للوحدة الوطنية الحقة، بعيداً عن القبلية والعائلية والمحسوبية وكان من
القلائل الذين حافظوا على النسك والطهارة الثوريين.
لقد عاش عيشة بسيطة
وكان زاهداً في الحياة، حيث استقطب الجماهير من حوله بمختلف الشرائح الاجتماعية.
بداية الانتفاضة الأولى تم استدعائه من قبل
سلطات الاحتلال ووضع رهينة للاعتقال في معتقل أنصار، وذلك لمحاولة منعه من
الانخراط في النضال الاجتماعي بين صفوف الجماهير، إلا انه لم يكترث لذلك وواصل المسيرة
حتى باغته مرض عضال آلم به في حزيران عام 1994م وبدأ يصارع المرض اللعين، حيث كانت
تلك الفترة عصيبة في حياته.
ففي مثل هذا اليوم
الثالث والعشرين من شهر نوفمبر عام 1994م، رحل القائد الرفيق/ صالح دردونة (أبو
ناصر) إثر مرض عضال، رحل أحد قادة حركة القوميين العرب في فلسطين، وعضو اللجنة
المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلطسين وأحد مؤسسيها في قطاع غزة والاسير المحرر
الذي قضى اعوام طويلة من عمره في سجون الاحتلال الإسرائيلي رحل الفارس بعد أن زرع
بذور حب الوطن فيها وعلم شبابها معنى الصمود والتضحية والعطاء بدون مقابل.
لقد انتصر صالح
دردونة ( أبو ناصر) على المرض اللعين إلا نه لم يستسلم له ابداً، فكان يسموا فوق
الأمة ليعيش الآم الجماهير، إلا انه شهق انفاسه الأخيرة الطاهرة صاعداً نحو السماء
ليعانق كوكبه الشهداء الذين سبقوه، ومن مقولته الشهير “نعم سأموت لكنني سأواجه
الموت بشجاعة”.
لقد واجه أبو ناصر
الموت بقوة وشجاعة كما واجه الحياة الى أن توقف قلبه عن الخفقان.
لقد شارك في جنازة
دردونة ( أبو ناصر) جماهير شعبنا ومحبيه وقادة وكوادر الفصائل الفلسطينية وقيادات
ورؤساء الأجهزة الأمنية والوزارات، حيث انطلقت جنازته من مسقط راسه الى مقبرة
الشهداء سيراً على الأقدام.
أبو ناصر عاش بطلاً
مناضلاً حراً، ومات بطلاً كالأشجار وقوفاً، ورحل جسداً وبقي منارة للأجيال
القادمة، وفي وجدان محبيه علماً، وفي قلوبهم حياً، واسمه سيبقى يتردد على ألسنه
الثوار والمناضلين الأحرار.
لقد كان صالح دردونة
( أبو ناصر) مثالاً على الجرأة غير المتناهية والتفاني المستمر الذي لا ينضب،
ومنكراً لذاته انكاراً كاملاً من اجل تحرير الوطن والإنسان، لقد كان نموذجاً يحتذى
به بتجسيد الروح الجماعية والتكاثف والتعاضد والتآزر مع كل الرفاق والمناضلين في
درب النضال المستمر والمصير المشترك والآلام والآمال والتضحيات المشتركة.
لقد عمل صالح دردونة
( أبو ناصر ) بصمت وإيثاريه، حيث كان مثالاً في تقدم الصفوف دوماً أمام الجميع
مقدماً أكثر من الجميع.