تقرير خاص لفرع السجون في ذكرى رحيل حكيم الثورة د. جورج حبش "

08 أغسطس 2018

[JUSTIFY]أبو ميساء " في سطور ... كرس الرفيق الضميري المؤسس لحركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حياته للعمل الدؤوب والمتواصل للقضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني ومستقبل القضية العربية ، طبيباً تحّول إلى طريق النضال ليعالج جراح شعبه ويعيش هموم أمته، مؤمناً بالهوية العربية وبحتمية هزيمة المشروع الصهيوني على الأراضي العربية ، ولد رفيقنا الحكيم في اللد سنة 1925 ونشأ وسط عائلة ميسورة الحال تتألف من سبعة أولاد وتمتلك أراضي زراعية ، كان والده تاجراً معروفاً في فلسطين ، كما كانت والدته تحرص على توجيه أولادها لمتابعة دراستهم وتحصيل الشهادات الجامعية ، تزوج الرفيق المؤسس ابنة عمه هيلدا حبش من القدس ، التي وقفت إلى جانبه وشاركته في جميع مراحل حياته النضالية على مدى مسيرته الثورية بشجاعة نادرة ، خاضت نضالاً مريراً في تصديها لكافة المؤامرات التي تعرض لها الحكيم من اختطاف ومحاولات اغتيال ، تحملت أعباء النضال والاعتقال والاختفاء إلى جانب نشاطها الجماهيري والنسوي المتميز أثناء الحرب الأهلية في لبنان ، لرفيقنا ابنتان : ميساء وهي طبيبة متزوجة لها ثلاث أولاد ، ولمى وهي مهندسة، بدأ رفيقنا تعليمه في المدرسة الابتدائية في اللد ثم انتقل لمتابعة دراسته الإعدادية والثانوية في مدينتي يافا والقدس ، وتخرج من مدرسة تراسنطة . من الجدير ذكره ، أنه عاد إلى يافا مدرساً لمدة عامين قبل التحاقه بالجامعة ، كان الجو العام في فلسطين مشحوناً بالغضب والاستياء من الانتداب البريطاني آنذاك ، الذي مهد الطريق للعصابات الصهيونية شتيرن والهاغاناة، الأمر الذي توج باحتلال فلسطين واقتلاع غالبة الشعب الفلسطيني من أرضه . توجه سنة 1944 للالتحاق بكلية الطب في الجامعة الأمريكية وتخرج طبيباً سنة 1951 ، عاش حياته الجامعية جامعاً بين الدراسة وهواياته بالرياضة والفنون والموسيقى والنضال . تبلور انتماء الحكيم وفكره القومي أثناء وجوده بالجامعة الأمريكية حين تأثر بفكر أستاذه الكبير قسطنطين زريق الذي كان بمثابة الأب الروحي للفكر القومي العربي ، كما كانت الجامعة الأمريكية ملتقى للشباب العربي القادمين من الأقطار العربية حاملين همومهم وأحلامهم القومية المشتركة ، حيث شاركوا في نشاطات جمعية العروة الوثقى حيث أنتخب الحكيم أمينا لهيئتها العامة سنة 1950 . كانت نكبة سنة 1948 الحدث الأليم الذي تخلل سنوات دراسة الحكيم وشكلت منعطفاً تاريخياً ونقطة تحول في حياته اندفع إثرها نحو فلسطين التي بدأت تسقط بلدة تلو الأخرى في يد العصابات الصهيونية ، وعمل كطبيب متدرب وعالج الكثير من الجرحى ، لكن الجرح الكبير كان سقوط اللد واستشهاد شقيقته الكبرى في تلك الهجرة ، وكان لها ستة أطفال ، كما استشهد الآلاف من الفلسطينيين واقتلع شعباً بأكمله من الجذور . هكذا تحّول الحكيم من طبيب وإنسان يمارس الحياة الطبيعية إلى مقاوم وثائر ، بعد سنوات من الدراسة واستلهاماً من فكر قسطنطين زريق وساطع الحصري قام حبش مع مجموعة من الرفاق أمثال : وديع حداد ، هاني الهندي ، صالح شب وحامد جبوري بتأسيس حركة القوميين العرب سنة 1951 التي كانت تستهدف نهوض المد القومي العربي في المنطقة . كان دور الحكيم ورفاقه دوراً ريادياً في المظاهرات الطلابية التي عمت لبنان تلك الفترة ، حيث جرت في أواخر تشرين أول سنة 1951 تأييداً لموقف حكومة مصطفى النحاس زعيم حزب الوفد ، التي قامت ضد المعاهدة المصرية البريطانية ، وألهبت خطوة الوفد الشُجاعة مشاعر الجماهير العربية ولقيت الدعم في معظم البلدان العربية . مارس الحكيم النشاط السياسي في الأردن سنة 1952 ، ومارس مهنة الطب هناك مع الرفيق الدكتور وديع حداد ، وأقاما عيادة طبية وقدّما علاجاً مجانياً للطبقة المسحوقة من أبناء المخيمات ، كانت هذه العيادة مركزاً للتعبئة والتوعية السياسية لفكر حركة القوميين العرب ، حيث كان حينها هامشاً للحريات في الأردن ، سرعان ما تعرض الحكيم بعدها للملاحقة مما اضطره للعمل السري والاختفاء لمدة عامين هناك ، انتقل بعدها لسوريا ومارس نشاطه السياسي من دمشق . في سنة 1952 قام الضباط الأحرار في مصر بإعلان الثورة على النظام الملكي وبدأ المد القومي بالتنامي في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وصولاً لإعلان الوحدة بين مصر وسوريا سنة 1958 ، الأمر الذي أعطى زخماً كبيراً لحركة القوميين العرب حيث كانت هناك روابط متينة وعلاقة متميزة مع الرئيس عبد الناصر . تعرض الحكيم للمطاردة والملاحقة من قبل الرجعية العربية. تعتبر المرحلة من 1961 1964 من المراحل بالغة الصعوبة من نضاله السياسي ، إذ تميزت بطابعها السري ، ترافق ذلك مع بداية حياته الزوجية مما اضطره سنة 1964 للانتقال سراً إلى بيروت ومواصلة نضاله من هناك . تركت هزيمة سنة 1967 والكارثة الكبرى بسقوط القدس واحتلال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية بالغ الأثر في نفس الدكتور حبش ، وكان لها أثراً كبيراً أيضاً في انحسار المّد القومي بشكل عام ، علماً أن نشاط حركة القوميين العرب قد شمل معظم الدول العربية : لبنان والأردن وسوريا واليمن والبحرين وليبيا . كانت الهزيمة سبباً في التحول الأيديولوجي من قوميين عرب إلى حزب ماركسي لينيني دون أن يتعارض هذا التحول مع الانتماء القومي حيث تم تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سنة 1967 وبدأ الإعداد الجدي للكفاح المسلح . اُعتقل حبش سنة 1968 في سوريا لمدة عام ، حيث تمت بعدها عملية اختطاف لتهريبه من السجن خطط ونفذها الدكتور وديع حداد . بعد تحرره سنة 1969 وجد نفسه أمام انشقاق سياسي وتنظيمي تمخض عنه تشكيل الجبهة الديمقراطية . عاد إلى الأردن سراً سنة 1969 في مرحلة المقاومة الفلسطينية في الأردن والتي شهدت الكثير من الصدامات مع الجيش الأردني وأدت إلى معارك ضارية في أيلول سنة 1970 وخروج المقاومة الفلسطينية إلى أحراش جرش ، بعد عام من الحياة القاسية وسط الأحراش تم تطويق القواعد الفدائية وتغلب الجيش الأردني على المقاومة ورحَّل الفدائيون والقيادة إلى لبنان . سنة 1972 تعرض الحكيم لنوبة قلبية كادت تودي بحياته ، وفي نفس العام استشهد الرفيق غسان كنفاني على يد الموساد وكان له أثر الصاعقة على الحكيم ، في عام 1973 دارت معارك طاحنة مع القوات اللبنانية اليمينية ، وفي نفس العام تعرض الحكيم لعملية اختطاف فاشلة حيث قامت "إسرائيل" بخطف طائرة ميدل إيست اللبنانية كان يفترض وجود الحكيم على متنها ، لكنه نجا منها نتيجة لإجراء أمني احترازي اتخذ باللحظات الأخيرة قبل إقلاع الطائرة ، تفجر الوضع في لبنان بين القوى الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية من جهة ، وبين الكتائب والقوى اللبنانية اليمينية المؤيدة لإسرائيل تحت غطاء حرب أهلية طائفية ، انتهت بكارثة أدت إلى دمار البلد واستشهاد أكثر من مائة ألف مواطن . كان لفقدان الدكتور وديع حداد سنة 1978 أكبر أثر على الحكيم ، حيث فقد برحيله صديق ورفيق دربه ومناضلاً بارزاً حيث اغتاله الموساد بتسميمه . تعرض الحكيم سنة 1958 لنزيف دماغي حاد ، لكنه استطاع بإرادته الصلبة أن يتغلب على المرض ، واستمر على رأس مهامه كأمين عام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حتى استقالته من الأمانة العامة سنة 2000 . توجّت الحرب اللبنانية بالاجتياح الصهيوني للبنان سنة 1982 ، حيث صمدت المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية في وجه عدوان صهيوني شرس ،استخدمت فيه شتى أنواع الأسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً انتهت بحصار بيروت وهنا توجهت القيادة الفلسطينية المتمثلة بياسر عرفات إلى تونس ، أما الحكيم فقد اختار مع رفاقه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وباقي الفصائل الفلسطينية الرحيل لسوريا لإيمانه العميق بضرورة الاستمرار في النضال من إحدى بلدان الطوق رغم الصعوبات . بعد الخروج من بيروت عقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته الـ 16 في الجزائر ، كان للحكيم كلمة فيها أكد خلالها الإصرار على استمرار المقاومة بشتى الوسائل . سنة 1976 تعرض لمحاولة اختطاف ثانية عندما أقدمت "اسرائيل" على خطف الطائرة الليبية الخاصة التي كان على متنها متوجهاً إلى ليبيا ، وكان من المفترض أن يعود على نفس الطائرة ، لكنه أجل سفره في اللحظة الأخيرة فنجا بأعجوبة . سنة 1987 اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى داخل فلسطين ، مما جعل الحكيم يجند كل طاقاته لدعمها ومساندتها وكان له كبير الأثر في إدارتها ، فاجأ شعبنا الفلسطيني العالم أجمع وهو يواجه الجيش الصهيوني المدجج بالسلاح بحجارته وإرادته الصلبة . سنة 1988 عقد المجلس الوطني دورته الـ 19 في الجزائر ونتج عنه إعلان وثيقة الاستقلال ، لكن حرب الخليج وما نتج عنها من انقسام في الصف العربي وضرب العراق وحصار هيئة الظروف لطرح مبادرات استسلامية، فانعقد مؤتمر مدريد و بدأت المفاوضات السرية بين القيادة الفلسطينية و"اسرائيل" بإشراف ورعاية أمريكية بعد مؤتمر مدريد سنة 1991 ونتج عنها اتفاق أوسلو سنة 1993 . رفض الدكتور حبش المفاوضات بشدة والتي أدت إلى إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني في مرحلة لاحقة ، وإيمانا منه أن هذه الاتفاقيات لن تلبي الحّد الأدنى من طموحات شعبنا الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة فوق تراب فلسطيني وعودة اللاجئين إلى وطنهم . 17 كانون الثاني سنة 1992 توجه الحكيم إلى فرنسا للعلاج بعد موافقة الحكومة الفرنسية ، لكن سرعان ما تحولت زيارة العلاج إلى قضية سياسية وتم احتجازه من قبل القوات الخاصة لمكافحة الإرهاب DST تحت ضغط اللوبي الصهيوني حيث احتشد الآلاف في ساحة المستشفى وطلبت "اسرائيل" من فرنسا تسليمه لها ، بينما أرادت الحكومة الفرنسية تحويله للقضاء بتهمة الإرهاب ، ولكن الحكيم وزوجته هيلدا واجها الموقف بتحدٍ كبير وشجاعة نادرة ، وفشلت كل هذه المحاولات فشلاً ذريعاً، ولذلك بعد الضغوط الشعبية العربية ودور الأنظمة العربية وخاصة الجزائر الشقيق ، حيث توجهت طائرة رئاسية جزائرية إلى فرنسا من اجل تأمين عودته وضمان سلامته ، استقال في أعقاب ذلك 3 مسئولين فرنسيين . بعد إنشاء السلطة الفلسطينية وعودة الكثير من القيادات الفلسطينية إلى أراضي السلطة ، ربط الحكيم عودته إلى الوطن بعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين رغم المناشدات والرسائل الكثيرة التي وجهت له ، رافضاً التخلي عن اللاجئين . قدّم الحكيم استقالته من منصب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في المؤتمر الوطني السادس سنة 2000 ، فاتحاً بذلك فرصة لرفاق آخرين ، معطياً بذلك نموذجاً في التخلي الطوعي عن المسؤولية الأولى. بقي الحكيم يؤدي دوره الوطني والسياسي ، فالاستقالة من الأمانة العامة للجبهة لم تعني أبداً التخلي عن النضال الذي أمضى ما يزيد عن خمسين عاماً مكرساً حياته من أجله ، فاستمر في تأدية هذا الدور وخاصة في ظل الانتفاضة الثانية ، وبقي على تواصل دائم مع الهيئات القيادية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومع كل الفصائل الوطنية والمؤسسات والفعاليات الفلسطينية والعربية الرسمية منها والشعبية . بعد تحرره من ضغوط العمل اليومي كمسئول أول للجبهة الشعبية ، حدّد الحكيم لنفسه ثلاث مهام أساسية هي : 1. كتابة تاريخ حركة القوميين العرب وتاريخ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطيني وتجربته النضالية . 2. العمل لتأسيس مركز يُعنى بقضايا النضال العربي وفي مقدمتها الصراع العربي الصهيوني ، وضرورة تعميق العقل الفلسطيني والعربي في محاولة للإجابة عن أسباب الهزيمة أمام المشروع الصهيوني رغم ما تمتلكه الشعوب العربية من طاقات بشرية وإمكانيات مادية هائلة ( أسس سنة 2002 ) . 3. العمل من أجل إقامة نواة جبهة قومية هدفها حشد القوى القومية العربية من أجل التصدي لمسؤولياتها وتوحيد طاقاتها وتسخير الظروف لانتصارها ، وفي مقدمة مهامها في هذه المرحلة مواجهة عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني . قال في بيان أصدره في 17/1/2002 " إن اعتقال أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين يشكّل فاتحة لخطوات أخرى تستهدف ترويض م.ت.ف كائتلاف وطني، وستقود تدريجياً لإجهاض الانتفاضة " استُشهد بتاريخ 26/1/2008 بعد إصابته بنوبة قلبية أثناء عناءه من مرض سرطان البروستات ، دخل المشفى في العاصمة الأردنية عمان في 17/1 وارتقى عن عمر يناهز 83 عام ، وشُيّع جثمانه في 28/1 في عمان . أقوال مأثورة للحكيم د . جورج حبش : الثورة الفلسطينية قامت لتحقيق المستحيل لا الممكن . أنا إسلامي التربية ، مسيحي الديانة ، اشتراكي الانتماء . نحن لا نبرئ كل من لا يرفع إصبع الاتهام في وجه مضطهدي الشعوب . ثوروا فلن تخسروا سوى القيد والخيمة . رفاقنا الحقيقيون هناك في سجون العدو وعندما يخرجون سوف ترون ذلك . على جماجم وعظام شهدائنا نبني جسر الحرية . قسماً ببرتقال يافا وذكريات اللاجئين سنحاسب البائعين لأرضنا والمشترين . عارٌ على يدي إذا صافحت يداً طوحت بأعناق شعبي . سنجعل من كل حمامة سلام قنبلة نفجرها في عالم السلام الامبريالي الصهيوني الرجعي . إن السلطة السياسية تنبع من فوهات البنادق . إن المقاتل غير الواعي سياسياً كأنما يوجه فوهة البندقية إلى صدره . إن مسيرة الحكيم المليئة بالعطاء هي مدرسة جبهاوية ثورية علينا الاستلهام من ضيائها ، ففي كل المحطات كان نموذج الثائر الصلب ، ومن وهج كلماته عبر محطات الثورة نستكمل مدرسته وسيرته ، فالإنسان موقف والحكيم كان سيد الموقف ، فلتكن هذه المواقف مرشداً لنا في سلوكنا اليومي وفي التمسك بحقوقنا وحشد طاقاتنا ، حتى النصر حتماً . [/JUSTIFY]